الرئيسية / غير مصنف / ذكريات طالب في المدرسة المعمدانية

ذكريات طالب في المدرسة المعمدانية

ذكريات طالب في المدرسة المعمدانية

إيليا قبطي

 

فيما يلي ذكريات عطرة مكتوبة بعفوية العودة للطفولة، وهي من عَبَق طفولة المعلم إيليا قبطي وعَبَق المدرسة المعمدانية التي نعتز بها، بماضيها وحاضرها، ونصلي ليبارك الرّبّ أثرها الماضي والحاضر والمستقبل بمعونته ورعايته التي لا تنتهي.

انا الولد الرابع في عائلة مكونة من ستة أولاد. ولدت عام 1940 م. بيتنا في حيّ الأقباط قرب عين العذراء في الناصرة.

ترعرعت في هذا الحيّ المليء بالحواكير والأشجار التقليدية المميزة لأحياء الناصرة في ذلك الوقت. لا أتذكر أين بدأت تعلميّ في أول سنواتي في المرحلة الابتدائية، غالبًا كنت في مدرسة أبو جميل قرب بناية المسكوبية في الناصرة.

ذكريات طالب في المدرسة المعمدانية الابتدائية من سنة 1950 حتى سنة 1955:

انتقلت إلى المدرسة المعمدانية في أيلول سنة 1950، وتؤكد ذلك إحدى الوثائق التي وصلت ليديّ من مديرة المدرسة موجّهة لوالدي، تشكو فيها من عدم احضاري دفاتري إلى المدرسة. كانت المدرسة بالقرب من كنيسة الروم الأرثوذكس في الناصرة حيث تعلّم فيها الطلاب حتى الصف السادس، ثم انتقلت مع أبناء صفي إلى غرفة الصف السابع في بناية المدرسة المعمدانية الحالية قرب الكنيسة المعمدانية.

تخرجت منها سنة 1955 مع زملائي وزميلاتي، مع نهاية الصف الثامن بحفل بهيج في الكنيسة المعمدانية، إذ كانت المدرسة الابتدائية منفصلة عن الثانوية، وكانت تتطلب تسجيلًا باعتبار أنها مدرسة أخرى.

كانت إدارة المدرسة بإشراف الارسالية المعمدانية، وكان يديرها أحد المرسلين الأمريكيين، وكان كادر المعلمين مكوّنًا من العرب والأجانب.
كانت لغة التعليم هي الإنجليزية في معظم المواضيع، طبعًا ما عدا تعليم كلّ من اللغتين العربية والعبرية.

كان في صفنا 18 طالبًا وطالبة، وكان عدد الطالبات أكثر، 12 طالبة و6 طلاب.

كانت المدرسة المعمدانية أول مدرسة في الناصرة أو حتى في الوسط العربيّ كلّه تعتبر مدرسة شاملة للبنين والبنات معًا، فقد كانت مدارس الناصرة تستقبل طلابًا وبعضها يستقبل طالبات. أما مدرستنا، فكانت شاملة للجنسين، من الصف الأول حتى الثاني عشر كجزء من توجّهات ورؤيا المدرسة.

 

المدرسة والكنيسة:

كانت المدرسة مرتبطة بعلاقة مع الكنيسة التي كانت تعقد فيها كلّ صباح اجتماعات للطلاب والمعلمين للترنيم، ثم سماع كلمة أو وعظة قصيرة من الإنجيل، وكانت هذه الفترة من أجمل فترات النهار، إذ أنني حتى هذا اليوم أتذكر معظم الترانيم التي كنا نرنمها باللغة الإنجليزية في اجتماع الصباح، ولا أزال اتمتع بسماعها وترتيلها باحثًا عنها على شبكة الانترنت.

 

النشاطات والبرامج المدرسية:

النشاطات اللامنهجية كانت تتضمن الألعاب الرياضية والرحلات واحتفالًا كبيرًا في فترة عيد الفصح والربيع.

أما فترة عيد الميلاد فكانت قمة النشاطات المدرسيّة، إذ كنا نقوم بتمثيل مشاهد الميلاد وتقديم ترانيم الميلاد، وطبعًا نتشارك هدايا الميلاد. أذكر أنّه في أحد الأعياد كانت الهدية عبارة عن حبة برتقال، قدمتها المدرسة لكلّ طالب وطالبة كانوا يشاركون في مدرسة الأحد.

 

الرحلات:

كان متّبعًا أن نخرج في مسيراتٍ مع بداية الربيع إلى المناطق حول الناصرة مثل، حرش كفار هحورش أو أحراش صفورية. والرحلة البعيدة كانت إلى المدن مثل تل ابيب وحديقة الحيوانات فيها أو إلى نتانيا وحدائقها الجميلة وما زلت أحتفظ بعدد من الصور لبعض هذه الرحلات.

 

الحفلات والمهرجانات:

كانت المدرسة تكرم الطلاب بحفلات ومهرجانات كالاحتفال بعيد الميلاد، من خلال مسرحيات الميلاد التي تقدّمها الطلاب، وترانيم الميلاد التي يشرف المعلمون على تدريب الطلاب لتقديمها، إذ كان كلّ صف من صفوف الابتدائية يقدم برنامجًا للعيد، وأحيانا يقوم الطلاب الأكبر بتقديم مسرحية بروح الميلاد. وكان الأهل والأصدقاء يُدعَون لحضور هذه الاحتفالات والمسرحيات.
أما في الربيع، فكان يقام مهرجان الربيع ويتضمن ألعابًا رياضية ومسابقات وموسيقى ورقص شعبي محليّ او أجنبيّ، وهذا بحضور الأهل الذين كانوا يتمتعون بمشاهدة أولادهم ونتاج الفعاليات اللامنهجية في المدرسة.

 

حفلات التخرج:

جرت العادة واستمرت حتى بداية سنوات الثمانين بإقامة حفل تخرج للصف الثامن الذي يعقد في قاعة الكنيسة، وذلك قبل بناء قاعة نشاطات في المدرسة، وقد أضفى هذا الحفل بهجة خاصة وعزّز الشعور بمحبة المدرسة والمعلمين والإدارة للطلاب مما ساهم في تقوية روح الانتماء لدى الطلاب والمعلمين على السواء.

المدرسة الثانوية 1955 حتى 1959:

تخرجت من الصف الثامن سنة 1955 وانتقلت للمدرسة المعمدانية الثانوية في أيلول 1955 للصف التاسع، والذي يعدّ الصف الأول الثانوي. كان تعليم معظم الدروس باللغة الإنجليزية، كانت المواضيع الدراسية تتضمن التاريخ والفيزياء والكيمياء والدين (درس الكتاب المقدس)، بالإضافة إلى دراسة اللغات: الإنجليزية والعبرية والعربية. وكان معظم المعلمين من العرب وقليل من الأجانب، وكان منهاج التعليم بحسب النظام البريطاني GCE.

 

الأنشطة وحفل التخريج من الثانوية:

مارس طلاب الصفوف الثانوية النشاطات الروحيّة والرياضيّة واللامنهجية كما في المدرسة الابتدائية، لكن بأسلوب مختلف وطريقة تناسب الأجيال.
كانت المدرسة تشجع التنافس الإيجابي بين الطلاب لتحصيل أفضل النتائج، وكما ذكرت في البداية، قلت إنني كنت مهملًا بعض الشيء في بداية دراستي في المدرسة، لكن التنافس أعطاني إرادة للعمل من أجل النجاح، بل عزمت على التفوّق في المدرسة الثانوية. وقد حصلت على شهادة شرف في حفل التخرج منها، إذ حصلت على المرتبة الأولى، وقد كانت جائزتي تقديم كلمة للمحتفلين باسم جميع طلاب وطالبات الصف، والحصول على شهادة شرف وشهادة تخرج من الصف الثاني عشر، ولا أزال أحتفظ بالشهادتين واعتز بهما لغاية اليوم.

في السنة الدراسيّة 1958-1959 أنهيت دراستي في المدرسة المعمدانية الثانوية وأتذكر أنه خلالها تمّ تعيين مدير عربي للمدرسة. وهو الأستاذ إميل نصير، وقد عمل مع الإدارة على تحويل منهاج الدراسة من البريطاني إلى الإسرائيلي (البجروت)،ٍ فكان ذلك صعب علينا في الصف الأخير في الثانوية، فتخرجنا من المدرسة بدون الحصول على تصديق للمنهاج البريطاني ولا الإسرائيلي.

 

ولد يصبح معلمًا:

في السنة التي تخرجت فيها من المدرسة طالبًا، تعيّنت معلمًا وذلك من بداية أيلول 1959.
فكنت أخرج من البيت يوميًا في ساعات الصباح المبكرة متجهًا إلى المدرسة. وكان بعض أصحاب المحلات التجارية فضولييّن لرؤية جارهم، فسأل أحدهم الآخر: “ماذا يعمل هذا الشاب الصغير فإني أراه كلّ يوم يخرج من البيت باكرًا؟” أجابه أحدهم: “إنه يعلم في المدرسة المعمدانية”. فتعجّب كثيرًا من هذا الولد الذي سرعان ما أصبح معلمًا.

 

شكرًا للمربي، الأستاذ إيليا قبطي على هذه المشاركات والذكريات الطيّبة.

شكرًا للمربية منال حداد على المراجعة اللغوية.

قام بالمقابلة المربي د. عزيز سمعان دعيم.

شاهد أيضاً

أهالي طلابنا الأعزّاء، أمسية “حوار وتقارب” بانتظاركم مساء يوم الجمعة 17/5 في تمام السادسة والنصف

أهالي طلابنا الأعزّاء، أمسية “حوار وتقارب” بانتظاركم مساء يوم الجمعة 17/5 في تمام السادسة والنصف. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *